خطبة بعنوان: “عظات من حجة الوداع-“افعل ولا حرج”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 16 من ذي القعدة الموافق 19 أغسطس 2016هـ.
خطبة بعنوان: “عظات من حجة الوداع-“افعل ولا حرج”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح، بتاريخ 16 من ذي القعدة الموافق 19 أغسطس 2016هـ.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
الحمد لله رب العالمين .. الحمد لله الذي شرع فيسر: “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ“، يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ..وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه ولي الصالحين . وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله .. وقف يوم حجة الوداع بمنى للناس يسألونه، فجاءه رجل فقال: لم أشعر، فحلقت قبل أن أذبح، فقال: “اذبح ولا حرج” فجاء آخر فقال: لم أشعر، فنحرت قبل أن أرمي، قال: “ارمِ ولا حرج” فما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: “افعل ولا حرج”( البخاري ومسلم.(اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وعلي آلك وصحبك الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً أما بعد فيا عباد الله :
لما أراد الرسول الله صلي الله عليه وسلم أن يحج أمر مناد ينادي في الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الحج هذا العام، فاجتمع حوله مائة وأربعة وأربعون ألفًا من الناس في مشهد عظيم، فيه معان العزة والتمكين، ألقى الرعب والفزع في قلوب أعداء الدعوة ومحاربيها، وكان غصة في حلوق الكفرة والملحدين. قبل ثلاثٍ وعشرين سنة من ذلكم الوقت كان فردًا وحيدًا، يعرض الإسلام على الناس فيردوه، ويدعوهم فيكذبوه، في ذلكم الحين كان المؤمن لا يأمن على نفسه أن يصلي في بيت الله وحرم الله.
ها هم اليوم مائة وأربعة وأربعون ألفًا يلتفون حول الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم في مشهدٍ يوحي بأكمل معان النصر والظفر، ويجسد صورة رائعة، تحكي بأن الزمن وإن طال، فإن الغلبة لأولياء الله وجنده، مهما حوربت الدعوة وضيق عليها، وسامها الأعداء ألوان العداء والاضطهاد، فإن العاقبة للحق ولأهل الحق العاملين المصلحين:” وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ ٱلْبَأْسَاء وَٱلضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ” (البقرة/214).
وكان حجه صلي الله عليه وسلم على رحل رث وقطيفة لا يساوي أربعة دراهم. ، فلما استوت به راحلته، قال: “لبيك بحجة لا رياء فيها ولا سمعة “(الترمذي وابن ماجة)..
عباد الله :
إن من مقاصد الحج العظيمة أن يتربى الناس على ترك الترفّه والتوسع في المباحات؛ ولذا يتخفف الحاج من ثيابه إلا ثياب النسك، إزار ورداء مجردان، ليس فيهما زينة ولا تكلف ,وهو تذكير بالفقر المطلق للعبد، وخروجه من الدنيا كما دخلها أول مرة، بما يدعو إلى الاستعداد للقاء الله.
لذلك جعل الله في الحج سعة لا توجد في غيره من العبادات، ومن هذا ما روي من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم وَقَفَ في حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِمِنًى لِلنَّاسِ يَسْأَلُونَهُ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ. فَقَالَ: “اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ”. فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ، فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِي. قَالَ: “ارْمِ وَلاَ حَرَجَ” فَمَا سُئِلَ النَّبيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ. وهكذا يحسن أن يكون شعار المفتي فيما لا نص فيه، أو في جنس ما أفتى به النبي صلي الله عليه وسلم افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ).البخاري ومسلم).
أخوة الإيمان والإسلام :
دين الإسلام مبني على اليسر كما قال جل ذكره: “يرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”(البقرة /185).، وقال سبحانه أيضاً: “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج”(الحج/78). ، وهذا ما كان معروفاً من هديه صلي الله عليه وسلم ووصيته المتكررة لأصحابه حيث يقول – صلى الله عليه وسلم -: “يسروا ولا تعسروا، وبشـروا ولا تنفروا”(البخاري ومسلم). ، ويقول صلي الله عليه وسلم: “إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسـددوا وقاربوا”(النسائي). ، وقال صلي الله عليه وسلم أيضاً: “إن الله يحب الرفق في الأمر كله، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف”(مسلم).
لذلك منهج التيسير سار عليه الصحابة أيضاً اقتداء بالقدوة والأسوة نبيهم محمد – صلى الله عليه وسلم – يقول عمر بن إسحاق: “لمَنْ أدركت من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أكثر لمن سبقني منهم، فما رأيت قوماً أيسر سيرة، ولا أقل تشدداً منهم”، وقال رجاء بن أبي سلمة: “سمعت عبادة بن نسي الكندي وسئل عن المرأة ماتت مع قوم ليس لها ولي، فقال: أدركت أقواماً ما كانوا يشددون تشديدكم، ولا يسألون مسائلكم” (سنن الدارمي).
فإن التيسير في الحج وغيره من أحكام الدين يكون حسب الأدلة الصحيحة مع التقيد بأداء الأحكام كما شرع الله سبحانه وتعالى ومن ذلك عبادة الحج والعمرة قال الله تعالى: “وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ”، وإتمامها يكون بأداء مناسكهما على الوجه الذي أداهما به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لقوله تعالى: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ”، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: “خذوا عني مناسككم” أي: أدوها على الصفة التي أديتها بها لا على الرخص التي قال بها بعض العلماء من غير دليل من كتاب أو سنة وتلقفها بعض الكتاب والمنتحلين للفتوى،
وهذه الأدلة الكثيرة وغيرها تؤكد أن التيسير في الشريعة ليست رخصة بل هي الأصل، ولذلك كان من هدى النبي – صلى الله عليه وسلم – التزامه في حياته كلها، ولا يترك التيسير إلا إذا كان الأخذ به يؤدي إلى خلاف الشرع فقد جاء عن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: “ما خيّر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً”(البخاري ومسلم ). قال ابن عبد البر: فيه دليل على فضل التيسير في أمور الديانة، وأن ما يشق منها مكروه قال الله – تعالى -: “يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”(البقرة/185) ، ألا ترى أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ما خير بين أمرين إلا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثماً”(مسلم).
والسنة المحمدية تجمع التيسيرات التي تفرقت في كتب الفقه؛ فإن من العلماء من يأخذ بهذه الرخصة، ولا يأخذ بالأخرى، ومنهم من يأخذ بغيرها ويدعها، بينما السنة وسعت ذلك كله.فمن قدم أو أخر في أعمال الحج فلا حرج عليه في ذلك.أما في غير الحج كالصلاة مثلاً فلا يجوز أن يقدم السجود علي الركوع او غيره لأن الصلاة عبادة توقيفية موقوفة علي فعل رسول الله صلي الله عليه وسلم بقوله:” صلوا كما رأيتموني أصلي”(مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم).
أخوة الإيمان والإسلام :
واليسر أو التيسير أمر نسبي، فقد يطلق على ما هو في حدود طاقة الإنسان وإن كان فيه حرج وعنت، وقد يطلق على ما هو في وسع الإنسان بحيث يتمكن من امتثال التكليف دون حرج أو عنت، والذي يظهر من النظر في الرخصة الشرعية بل وفي كل التكاليف أن المراد بالتيسير في الشريعة – غالباً – هو: كون الأمر بحيث يمكن امتثاله دون حرج أو مشقة.
انطلاقاً من أهمية فريضة الحج كونها الركن الخامس من أركان الإسلام الخمسة, وامتثالاً لقوله – تعالى -:”يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” واستجابة لتوجيه المصطفى – صلى الله عليه وسلم – حيث قال: “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا”, ونظراً لما يحدث أثناء أداء هذا الركن من الازدحام الشديد، وتدافع الناس عند بعض المشاعر، فإنه لا يخفى أهمية مراعاة قاعدة “التيسير في الحج” ما دامت الحالة هذه، فإنها القاعدة في أعمال الحج، كما أنها قائمة على العمل بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – في قوله “لتأخذوا مناسككم“.
أخوة الإيمان والإسلام
ليعلم إن فقه التيسير لا يعني المروقّ من الدين، أو الانحلال والتفريط في العمل بأحكام الشرع الحنيف، بل هو منهج علمٍ، ومدرسة فقهٍ، وطريق فتيا، وحياةٍ أمثل للمسلمين.
فالتيسير ورفع الحرج عن المكلفين إذا لم يصادم نصاً صريحاً، أو إجماعاً معتبراً، وكان متفقاً مع أصول الشرع الكلية، ومقاصده العامة؛ مراعياً تبدل الأزمان والأماكن، وتغير الظروف والأحوال، فهذا مما ينبغي العمل به، وجريان الفتيا عليه، فأزمان المحن والشدائد ليست كأزمان السعة والاستقرار، وأحوال الخائفين ليست كأحوال الآمنين، ومن وقع في ضرورةٍ أو حاجةٍ ليس حاله كحال من هو في السعة والطمأنينة، يقول ابن عبد البر: “إن المرء ينبغي له ترك ما عسر عليه من أمور الدنيا والآخرة، وترك الإلحاح فيه إذا لم يضطر إليه، والميل إلى اليسر أبداً، فإن اليسر في الأمور كلها أحب إلى الله وإلى رسوله قال – تعالى -: “يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” وفي معنى هذا الأخذ برخص الله – تعالى -، ورخص رسوله – صلى الله عليه وسلم -، والأخذ برخص العلماء ما لم يكن القول خطأ بينا“.
أخوة الإيمان والإسلام :
وقد يسر الإسلام حتي في محظورات الحج وجعل فيها توسعة كالتوسعة في لبس الإزار ولو كان مخيطاً، لكن ليس على هيئة السراويل, بل تخاط تكة ويرسل دون أن يفصل منه كم عن آخر وقد حكى ابن تيمية الإجماع على جوازه.
والأصل في ذلك ما رواه البخاري ومسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلاً سَأَلَهُ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِم؟ُ فَقَالَ : ” لاَ يَلْبَسِ الْقَمِيصَ, وَلاَ الْعِمَامَةَ, وَلاَ السَّرَاوِيلَ, وَلاَ الْبُرْنُسَ, وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ الْوَرْسُ, أَوِ الزَّعْفَرَانُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ؛ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ, وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ”. والمقصود بالمخيط هو ما عبَّر عنه بعضُ الفقهاءِ بقولهم: ( الْمَخِيط الْمُحِيط ) أي: بالبدنِ, أو العضوِ. وإن كانت الكلمة لم ترد في القرآن, ولا في السنة بهذا الاصطلاح، وقد وقع بها لبس عند البعض فقالوا: كل مخيط لا يلبس, والعلة هي الخياطة.
وهذا غلط, فلو انشق الإزار, أو الرداء اللذان يلبسهما فخاطهما, ثم لَبِسَهُما فلا شيء عليه بالاتفاق.
– وكذلك لبس الخفين إذا لم يجد النعلين وفي مشروعية قطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين نزاع بين أهل العلم، فعدم مشروعية القطع هو المشهور عن أحمد. وقطعهما مذهب الجمهور. واحتج أحمد بحديث ابن عباس وجابر -رضي الله عنهما- (مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ) فليس فيهما قطع الخف. مع قول علي – رضي الله عنه -: قطع الخفين فساد, يلبسهما كما هما. مع موافقة القياس فإنه ملبوس أبيح للحاجة فأشبه السراويل وقطعه إتلاف للمال.
ومن الطريف أن رجلاً سأل الشعبي أيحك المحرم جلده؟ قال: نعم. قال: مقدار كم؟ قال: إلى أن يبدو العظم!
من التيسير جواز الأنساك الثلاثة ( التمتع، والإفراد، والقران ) وهذا إجماع أو شبهه عند أهل العلم.
أخوة الإيمان والإسلام
ومن التيسير أن الحج له ركنان :
الوقوف بعرفة, وهو ركن بالإجماع،وهذا الركن يحصل أداؤه بلحظة، حتى إن من العلماء من قال: لو مر بأجواء عرفة بالطائرة أجزأه. ولو دفع قبل الغروب أجزأه عند الأئمة, خلافاً لمالك.
والدليل حديث عروة بن مضرس الطائي قال أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بِالْمَوْقِفِ – يَعْنِى بِجَمْعٍ قُلْتُ: جِئْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ جَبَلِ طَيِّئٍ أَكْلَلْتُ مَطِيَّتِي وَأَتْعَبْتُ نَفْسي، وَاللَّهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلاَّ وَقَفْتُ عَلَيْهِ فَهَلْ لِي مِنْ حَجٍّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:“ مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصَّلاَةَ وَأَتَى عَرَفَاتٍ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ “(رواه الخمسة.(
فهذا دليل على أن الحاج لو دفع قبل الغروب فلا شيء عليه، وإن كنا نوجب عليه أن يقف بعرفة ولو جزءاً من الليل.
وإن أخطأ الناس العدد فوقفوا في غير يوم عرفة أي: وقفوا في اليوم الثامن مثلاً وهو يوم التروية, أو وقفوا في اليوم العاشر وهو يوم العيد على سبيل الخطأ والغلط ظنوه يوم عرفة أجزأهم ذلك إذا اتفقوا عليه وأطبقوا عليه.
والنَّبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ” وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ، وَكُلُّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ، وَكُلُّ مِنًى مَنْحَرٌ، وَكُلُّ فِجَاجِ مَكَّةَ مَنْحَرٌ، وَكُلُّ جَمْعٍ مَوْقِفٌ “( أبو داود والترمذي وابن ماجة ).
والركن الثاني :هو طواف الإفاضة، ويسمى طواف الحج والزيارة، وهو لا يكون إلا بعد الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة، وهذا فيما أحسب إجماع، وهو ظاهر القرآن الكريم لقوله سبحانه: “ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ”(الحج/29). فجعل الطواف آخرها..
والسنة المتفق عليها في ترتيب أعمال يوم النحر، هي: رمي جمرة العقبة، ثم نحر الهدي أو ذبحه، ثم الحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة؛ وقد أجمع العلماء على استحباب هذا الترتيب. وأجمعوا كذلك على أن من قدم أو أخر شيئًا من أعمال يوم النحر، فإنه يجزئه ذلك، ويصح منه، بيد أنهم اختلفوا في وجوب الكفارة عليه، فأوجبها بعضهم، ولم يوجبها آخرون.
والذي ذهب إليه جمهور أهل العلم أنه لا شيء على من حلق قبل أن يرمي، ولا على من قدم شيئًا أو أخره ساهيًا أو جاهلاً، أو حتى متعمدًا مما يُفعل يوم النحر. وقد رُويَ عن الحسن وطاووس أنهما قالا: لا شيء على من حلق قبل أن يرمي؛ ورويَ عن عطاء بن أبي رباح قوله: من قدَّم نسكًا قبل نسك فلا حرج.
ويؤيد قول الجمهور القائلين بعدم وجوب ترتيب أعمال يوم النحر، قوله صلى الله عليه وسلم:”افعل ولا حرج” إذ لو كان الحديث لرفع الإثم عن الساهي والجاهل فحسب، لما كان له معنى حينئذ؛ لأن كل عبادة واجبة يتركها الإنسان، نسياناً أو جهلاً، فإنه لا إثم عليه بتركها، وإن كان مطالباً بتعويض ما أخلَّ فيه وقصَّر بحسب كل عبادة؛ بخلاف العامد، فإنه مع مطالبته بتعويض الخلل والنقص، يلحقه الإثم لتركه الواجب أو الركن عمداً.
فإذا تبيَّن هذا، علمنا أن قوله صلى الله عليه وسلم: “افعل ولا حرج” لا يفيد فقط رفع الإثم عمن أخلَّ بترتيب أعمال يوم النحر، سهواً أو جهلاً؛ إذ إن هذا معلوم في مبادئ الشريعة، كما أنه غير مختص بأعمال يوم النحر، بل يشمل كل من أخلَّ بعمل من أعمال الحج سهواً أو جهلاً، فلا إثم عليه، وإن كان يجب عليه تدارك ذلك الخلل الحاصل، بحسب ما جاء في الشريعة، كما سبق.
- وقد نص النووي وجماعة أنه لو نسى الإفاضة, وطاف للوداع من غير نية الإفاضة, أو بجهل بوجوب الطواف أجزأه طوافه عنهما معا. وهذا حسن وهو من التيسير والرخصة• ويسقط طواف الوداع عن الحائض، وهي رخصة ثابتة في السنة.
عباد الله:
ومن الرخصة ما يتعلق بالمبيت بمنى، وقد فعله النبي صلي الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهما، وكان جماعة من فقهاء الصحابة يرون وجوب المبيت بمنى ليالي التشريق على مَن قدر على ذلك، ووجد مكانا يليق بمثله، وهو قول الجمهور.
لكن دلت الأدلة على سقوط المبيت عمن لم يجد مكاناً يليق به، وليس عليه شيء, وله أن يبيت حيث شاء في مكة أو المزدلفة أو العزيزية أو غيرها، ولا يلزمه المبيت حيث انتهت الخيام بمنى.
وليست الطرقات والممرات بين الخيام وأمام دورات المياه والأرصفة وشعف الجبال مكاناً صالحاً لمبيت الآدميين مبيتاً يتناسب مع روح هذه العبادة العظيمة .
ومما يدل عل ذلك حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: استأذن العباس رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل السقاية فأذن له”( البخاري ومسلم).
وإذا ثبتت الرخصة في ترك المبيت بمنى لأهل السقاية وهم يجدون مكاناً للمبيت بمنى، فمن باب أولى أنْ تثبت لمن لم يجد بمنى مكاناً يليق به، ومن ذلك أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أرخص لرعاء الإبل في البيتوتة خارجين عن منى، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد ليومين، ثم يرمون يوم النفر.”( مالك وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي ).
والذي لا يجد مكاناً يصلح للمبيت بمنى أولى بالرخصة من رعاة الإبل، وهذا ظاهر.
وهذا ابن عباس– رضي الله عنهما – يفتي الحجيج بأنه إذا كان للرجل متاعٌ بمكة يخشى عليه الضيعة إنْ بات بمنى، فلا بأس أن يـبيت عنده بمكة.
وألحق أهل العلم بمن تقدم كلَّ من له مال يخاف ضياعه، أو أمر يخاف فوته، أو مريض يحتاج أن يتعهده، أو يلحقه ضرر أو مشقة ظاهرة.
وفي معنى هؤلاء في جواز الترخص بترك المبيت بمنى، بل أولى به منهم من لا يجد مكاناً يليق به يبيت فيه، وكذلك من خرج ليطوف بالبيت الحرام فحبسه الزحام حتى فاته المبيت بمنى؛ فإن تخلفهما عن المبيت بمنى سببه أمر خارجي، ليس من فعلهما، ولا يستطيعان رفعه.
ومن التيسير عدم إرهاق الحجيج بكثرة الدماء؛ فإن الفتوى أحياناً تُلزم الحاج بدم كلما ترك واجباً, بناء على أثر ابن عباس ” مَنْ نَسِيَ مِنْ نُسُكِهِ شَيْئًا أَوْ تَرَكَهُ , فَلْيُهْرِقْ دَمًا ” (مالك والبيهقي). وهو أثر صحيح، ولكنه فتوى واجتهاد, وقد كان كثير من السلف لا يُلزمون به, ولكنهم يراعون حال السائل من الغنى والفقر وغير ذلك، وقد أسقط الشارع بعض الواجبات, كطواف الوداع عن الحائض, والمبيت بمنى عن الرعاة ومن في حكمهم إلى غير بدل, ولم يلزمهم بشيء, وهذا ثابت معروف في السنة، بينما في فعل المحظور ورد حديث كعب بن عجرة في الإذن بحلق الرأس مع الفدية، ولم يثبت في السنة المرفوعة خبر في إيجاب الدم لترك الواجب, ويمكن أن يراعى في هذا أحوال الناس.
الخطبة الثانية :
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد فيا عباد الله .
ومن التيسير في الحج ما يتعلق برمي الجمار ، وهو واجب عند الجمهور، لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: “خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ “. ( مسلم واللفظ للنسائي). ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ” أَمْثَالَ هَؤُلاَءِ فَارْمُوا “. (النسائي وابن ماجه وابن حبان ).
لكن ما هو موضع الرمي؟ هو مجتمع الحصى الذي تتكوم فيه الجمار، سواء الحوض أو ما يحيط به مما تكون فيه الأحجار، والحوض لم يكن في عهد النبوة, ولا الخلفاء الراشدين، وقد اختلف في وقت بنائه، هل كان في عهد بني أمية، أو بعد هذا، وقد كتب فيه المتخصصون…
وهنا يقول الإمام السرخسي الحنفي في ( المبسوط ج4/ص67): فإن رماها من بعيد فلم تقع الحصاة عند الجمرة فإن وقعت قريباً منها أجزأه; لأن هذا القدر مما لا يتأتّى التّحرز عنه خصوصاً عند كثرة الزحام, وإن وقعت بعيداً منها لم يجزه. وهذا كلام نفيس؛ خصوصاً في هذه الأيام التي تحول رمي الجمار فيها إلى مشكلة عويصة، وقلّ عام إلا ويسقط العشرات، بل المئات تحت الأقدام صرعى، وينقلون جثثاً هامدة! وهذا عار يلحقنا جميعاً نحن المسلمين, ويجب علينا حكاماً وعلماء وعامة أن نجاهد في سبيل تلافيه وتداركه…
ولست أدري كم يلزم أن يموت من المسلمين حتى نستيقظ ونتفطن ونغار على أرواحهم ونضع الأمر في نصابه؟! فما بال أقوام يغارون على فرعيات جرى الخلف فيها…ويغمضون عن كليات جرى الجور عليها.فكيف في مثل هذه المواضع المباركة التي يؤمن فيها الطير تراق الدماء البريئة بغير ذنب ولاجريرة .
وعبد الله بن عمر يقول رأيت رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- يطوف بالكعبة ويقول: ” مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ! مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ! وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا “( ابن ماجه)، وقَالَ: ” لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ “( النسائي والترمذي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو).
ومقصد الرمي ظاهر كما في قول عائشة : إِنَّمَا جُعِلَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَرَمْىُ الْجِمَارِ لإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ.
فأين مِن ذكر الله مَن هو مشغول بنفسه, وطالب لنجاته في وسط طوفان من الناس, ماجوا وهاجوا واختلطوا, حتى لا يملك الواحد منهم من أمر نفسه شيئاً، وتحتهم أكوام من الحذاء والملابس والحجارة… والجثث أحياناً, ولا حول ولا قوة إلى بالله؟!
أخوة الإيمان والإسلام :
لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم كثرة الحجيج وإهلالهم من كل فج لسره ذلك… ولكن لو رأى هذه الفوضى خاصة عند الجمرات واضطراب أمر الناس والاقتتال عند الجمرات لساءه ذلك؛ لأنه خلاف هدية وسنته، والتأكيد في بعض هذه الفروع قد يسبب الوسواس؛ فيشك الحاج هل رمي ستاً أو سبعاً، هل سقطت في الحوض أم لا ؟
يعني يقول كالحنفية؟ فالترتيب ليس بلازم عندهم؛ لأنه يشمله قوله صلي الله عليه وسلم: “افعل ولا حرج“، وعرفنا أن هذا في العبادات الكلية لا في أجزائها، يعني الترتيب بين الرمي والحلق والنحر والطواف، ولذا لو قدم ركعتي الطواف كما ذكرنا على الطواف ما يصح، وإن كان يشمله عموم“افعل ولا حرج“، “فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج” (متفق عليه)، لكن هذا العام أريد به الخصوص.
أخوة الإسلام :
ومن يسر الإسلام وتيسره أن أباح للحاج أن يرمي ليلاً، وهو مذهب عبد الله بن عمر، وجمع من الصحابة رضي الله عنهم، والإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة، والدليل على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباسٍ – رضي الله عنهما – قال سُئل النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ؟ فقال: (لاَ حَرَجَ). قال: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ؟ قال: “لاَ حَرَجَ”.
وله أن يرمي قبل الزوال في سائر الأيام، وهو منقول عن ابن عباس عند ابن أبي شيبة, وعن ابن الزبير عند الفاكهي، وقول طاووس وعطاء في إحدى الروايتين عنه، ومحمد الباقر، وهو رواية غير مشهورة عن أبي حنيفة، وإليه ذهب ابن عقيل، وابن الجوزي من الحنابلة، والرافعي من الشافعية، ومن المعاصرين: الشيخ عبد الله آل محمود، والشيخ مصطفى الزرقاء، وشيخنا الشيخ صالح البليهي وطائفة من أهل العلم، وقواه الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمهم الله-، واستدلوا بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أرخص للرعاة أن يرموا جمارهم بالليل، أو أية ساعة من النهار. أخرجه الدار قطني وفي إسناده ضعف، وله شواهد عن ابن عباس وابن عمر لا تخلو من ضعف.
قال ابن قدامة (الكافي ج1/ص453): وكل ذي عذر من مرضٍ أو خوفٍ على نفسه أو ماله كالرعاة في هذا؛ لأنهم في معناهم. اهـ.
وبما رواه البخاري ومسلم .. ما سُئل النَّبي صلي الله عليه وسلم عن شيء قُدّم ولا أُخّر إلا قال: افعل ولا حرج”.
ومن أدلتهم عدم وجود دليل صريح في النهي عن الرمي قبل الزوال، لا من الكتاب ولا من السنة ولا من الإجماع ولا من القياس.
وأما رمي الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعد الزوال فهو بمثابة وقوفه بعرفه بعد الزوال إلى الغروب، ومن المعلوم أن الوقوف لا ينتهي بذلك الحد، بل الليل كله وقت وقوف أيضاً، ولو كان الرمي قبل الزوال منهياً عنه لبيَّنه النبي – صلى الله عليه وسلم – بياناً شافياً صريحاً حينما أجاب السائل الذي سأله عن رميه بعدما أمسى، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
ومن الأدلة : قول الله –تعالى-: “وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ”[البقرة:203]، والرمي من الذكر كما صح عن عائشة عند الدارمي وغيره، فجعل اليوم كله محلاً للذكر ومنه الرمي.
وهذا يشبه أن يكون كالنص في المسألة عند التأمل, وبه استدل الشيخ عبد الرحمن السعدي وغيره، وكذلك قول ابن عمر رضي الله عنه في رواية البخاري:”إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِ” لمن سأله عن وقت الرمي، ولو كان المتعين عنده الرمي بعد الزوال لبيّنه للسائل.
وله أن يؤخر رمي الجمرات عدا يوم العيد لليوم الأخير؛ لحديث أبي البداح بن عاصم بن عدي عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَرْخَصَ لِرِعَاءِ الإِبِلِ فِي الْبَيْتُوتَةِ خَارِجِينَ عَنْ مِنًى يَرْمُونَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ يَرْمُونَ الْغَدَ وَمِنْ بَعْدِ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ.”( مالك واللفظ له، وأحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي.(
فيجوز لمن كان في معنى الرعاة ممن هو مشغول أيام الرمي بعمل لا يفرغ معه للرمي، أو كان منزله بعيداً عن الجمرات، ويشق عليه التردد عليها أن يؤخر رمي الجمرات إلى آخر يوم من أيام التشريق، ولا يجوز له أن يؤخره إلى ما بعد يوم الثالث عشر (آخر أيام التشريق). والرمي في هذه الحالة أداء لا قضاء وأيام التشريق كاليوم الواحد، وهذا قول الشافعية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية وهو المعتمد عندهم، واختاره الشنقيطي –رحمهم الله-.
وهكذا التأخير لتجنب الزحام والمشقة والاقتتال، فهو من أعظم المقاصد الفاضلة المعتبرة، وحياة الناس أولى بالرعاية من حياة الحيوان كما في حال الرعاة…
وحفظ الأرواح من المقاصد الخمسة المجمع على اعتبارها في الشريعة.
عباد الله:
ومن تيسير الإسلام أن أباح للضعفة والمرضي والنساء أن يوكلوا غيرهم في الرمي، ولا حرج، ففي الحديث عن جابر قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُجَّاجًا, وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ , فَأَحْرَمْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ.”( ابن ماجه). فقال: فَلَبَّيْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ, وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ. و( الترمذي), قَالَ: فَكُنَّا نُلَبِّي عَنْ النِّسَاءِ, وَنَرْمِي عَنْ الصِّبْيَانِ.
قال ابن المنذر: كل من حفظت عنه من أهل العلم يرى الرّمي عن الصّبيّ الذي لا يقدر على الرّمي, كان ابن عمر يفعل ذلك. وبه قال عطاء, والزهري, ومالك, والشّافعي, وإسحاق.
وأعجب من إخوة غيورين لا يسمحون لنسائهم بالخروج إلى السوق لحاجة، أو الخروج لزيارة، ثم يصرّون على ذهاب النساء إلى المرمى, حيث تلتصق الأجساد, وتطير الأغطية, وتتخطف العباءات, وتتهاوى الأجساد تحت الأقدام, ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وبعض الفضلاء يُنحي باللائمة على الضحايا؛ لأنهم سذج ولا يعرفون الطرقات ولا يحسنون اختيار الوقت الملائم للرمي أي: وقت غفلة الناس وكأن من شروط الحاج أن يكون خِرّيتاً دليلاً عارفاً بالطريق مجرباً مدركاً مخطط الآخرين متى يزمعون الرمي, ومتى يكثرون, ومتى يقلون!!
ومن ذلك أن التحلل الأول يقع برمي جمرة العقبة، فإذا رماها يوم العيد حل له كل شيء إلا النساء، وهذا مذهب مالك وأبي ثور وأبي يوسف, ورواية عن أحمد, والشافعي, وبه قال علقمة, وخارجة بن زيد بن ثابت, وعطاء. قال ابن قدامة في المغني (ج3/ص225) : وهو الصحيح إن شاء الله تعالى.
واستدلوا بما روي عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله –صلي الله عليه وسلم :” إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ النِّسَاءَ “( ابن ماجه وأحمد ). وبما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول اللَّهِ صلي الله عليه وسلم: “إِذَا رَمَى أَحَدُكُمْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَىْءٍ إِلاَّ النِّسَاءَ).”أبو داود). ، وحديث ابن عباس وعائشة رضي الله عنهما -وإن كان فيهما ضعف- إلا أنه قد صححهما بعض المعاصرين .., و يشهد لهما فتاوى الصحابة، وحديث أم سلمة في معناهما.